كيف ساهمت الفنون والآداب في رتق ما فتقته الحروب

سورة الملك عبد العزيز آل نهيان في سد الغون، المملكة العربية السعودية، سورة الملك عبد العزيز، سورة الملك عبد العزيز، مصر، مصر، تونس العاصمة، سورة الربيع.

اقرأ المزيد
معرض الصور
No items found.
Pointing at Speaker
نُشر بتاريخ
12/11/25
المؤلف:
إيمان آدم خالد
المحرر:
سارة النقر
المحرر:
سارة النقر
مأمون التلب
المترجم:
المترجم:
نبيل محمد نور طه
النتيجة

  /  

العب مرة أخرى

  /   الاجابات

(هَزَمتك يا موت الفنونُ جميعها)

محمود درويش

(١)

عرّف علماء الأنثروبولوجيا الثقافة بأنها هي كل نشاط إنساني يُمارس؛ الأكل، الاقتصاد، طرق كسب العيش، السياسة وحتى قَطع الطريق؛ وتُمثّل والفنون والآداب تمظهرات لهذه الثقافة أو بعضها، وإحدى أوجه البقاء الجمالي المنافح ضد القبح. نحملها ونسعى في دروب الحياة؛ خطوات الإنسان موسيقى والحياة من حولنا ألوان.

أتلَفَت الحروب الحياة، ولعلّ الحرب هي الفعل الأقسى والأقبح الموجّه ضدّ الإنسانية والجمال والحياة، لكن، كيفما اتفق، تجد الحياة والثقافة طُرقاً للإشراق. واحدة من طرق تماسك المجتمعات والإبقاء على جزوة الأمل؛ التصدّي لرتق ما فتقته نيران الحروب من استشراء خطاب الكراهية وتخوين الآخر المختلف.

ساهمت الفنون بشكل كبير في تجسير الهوّة بين النازحين الناجين من نيران الحروب والعنف، والعنف القائم على النوع والمجتمع المضيف في المدن التي لم تصلها الحروب. قامت المجموعات الثقافية المختلفة بإحياء أمسيات ونهارات ثقافية بدور الإيواء؛ انخرط فيها النازحون بالرقص والغناء واستعادة الذاكرة الشعبية للمناطق التي نزحوا منها، ثقافاتهم وإرثهم كان حاضراً مُعَرِّفاً بهم ومادَّاً لأواصر المحبة. ساهم ذلك بشكل كبير في ترتيب الوجدان الجمعي وخلق روح من التآلف بين النازحين والمجتمع المضيف الذي شكل دعماً حقيقيّاً للناجين.

عدد من المبادرات الأهلية، من ضمنها "الحل في الفن"، كانت تسعى لجعل دور الإيواء أكثر إنسانية وأماناً ولطفاً، لتخلق معادلاً موضوعيّاً لـ(إلفة البيوت) وإشراق الأحياء القديمة، رائحة النيم في أقصى حميمية الصيف.

العروض المسرحية والمسرح التفاعلي لطرح وحل المشاكل للترويح والمنافحة ضد القمع والحرب وأصوات القنابل والدانات والمسيَّرات الموجّهة ، وكذلك لأجل إصحاح البيئة؛ المدارس التي تحولت بقدرة قادر لبيوت بها (اللمّة)، الفرح وحنة العريس.

"عَلَّمَني طقسُ الحرب

يا أُمّي كيف أُحب،

أن أشدو ألحاني

وأنا في بَطن الجُب،

أن تُزهِرَ أغصاني

والقَصفُ هُنَا بالقُرب،

نَحيَا ونُحب".

(٢)

وفي دور الإيواء وعبر مجموعات الدعم النفسي والاجتماعي من منظمة الشفاء من الصدمات النفسية، بالتعاون مع الجامعات والمهتمين والفنانين، تم استخدام الفنون كوسائط لتفريغ طاقات الشباب والأطفال، ولقياس الاتزان الوجداني عبر الرسومات والتلوين، حيث تفضح الريشة وألوانها ما اختزنته مخيّلة الأطفال واليافعين من مشاهد مؤذية للنفس، للصحة النفسية؛ حيث ظهرت كثير من الاضطرابات النفسية والعنف بين الأطفال؛ التبول اللاإرادي، الاضطراب الوجداني، القلق، المخاوف، الاكتئاب، النزوع للفردانية، جميعها نتائج متوقّعة للفقد الفادح للأسرة، للمعتاد، للمألوف من االحياة في عاديتها الحميمة والرحيمة، لمظاهر الفناء التي لاقتهم ومروا بها؛ كل هذا ساهم ما يُعرف بالعلاج عبر الموسيقى والفنون كوسائط علاجية في تطبيب آثاره وإعادة تأهيل الأطفال والأمهات واليافعين الذين تعرضوا لكل هذا؛ بل إن مقدّمي الدعم النفسي والاجتماعي أنفسهم قد تلقوا ذات الخدمة من النازحين، فتحقَّق الوجود وإحداث فرق وتغيير في حياة النازحين/ات بدور الإيواء وخلق هذا الوجود الرحيم أعاد لهم الثقة في الذات وفي الإمكان وفي القادم.

المجموعات الشبابية التي عملت في دور الإيواء والتي استخدمت مدرسة المسرح التفاعلي الذي يجعل من المشاهد المستهدف بالعرض مشارك به ليرسل رسائل أنتجت عروضاً مسرحية وغنائية داعية للسلام كواحدة من أسلحة المقاومة والبقاء: جماعة الورشة الجوالة بقيادة المخرج ربيع يوسف أنتجت عرض "المشوار" الغنائي الاستعراضي، له فلسفة درامية باذخة: هذا المشوار في هذا الوطن حيث لكل فرد رؤيته؛ كيف يمكن أن نسير؟ وإلى أين نسير؟ ولماذا نسير؟ عرض قريب من الوجدان، قريب من تشريح الحالة التي يعاني منها السودان، الاختلاف الذي يمكن أن يُفضي للجمال وللتماسك مثل قوس قزح، كما يمكن أن يفضي للتشرذم والتمزق مثلما يحدث الآن. يفضح العرض ويعرِّي ليُطَبِّب ويُداوي ثم ليقول: وحدها الثقافة وحدها الفنون قادرة على البقاء، وعلى المعالجة وإحداث فرق.

(٣)

وحول عرض المشوار، يحكي لنا مؤلّفه ومخرجه الأستاذ ربيع يوسف الحسن ويقول إن "العرض يمثلنا  جميعاً كسودانيين، نساء ورجال مختلفي الأعمار والسحنات واللغات ومن مناطق جغرافية متعدّدة، جميعهم يتحتم عليهم إنجاز مشوار محدد، ولا ينفع فيه تخلّف أيّ واحدٍ فيهم، إذ ترتبطُ مهمّة كلّ واحدٍ منهم بما سينجزه شخصٌ آخرَ في مهمّته في المشوار، وبالتالي عليهم التغلب على المتاريس التي تعترض طريقهم، سيما متاريس العنصرية والتمييز وخطاب الكراهية والعنف ضد النساء، وهي متاريس تتفجّر منذ اللحظة الأولى وحتى آخر لحظة، وهم إذ يختلفون في: أيّ الطرق أنسب للمشوار، ومن هو جدير بالقيادة، وهل يحق للنساء أن يكنّ معهم، وغيرها من الأسئلة، إذ  بامرأة بينهم تجاوز حملها الشهر العاشر زَعمت أن جنينها (ناغَمها)، وأخبرها برفضه الخروج من رحمها ما لم يتخلصوا من جميع متاريسهم التي يصنعونها بأنفسهم، وبالفعل لا يبدأ ألم المخاض إلا بعد مواجهتهم وتخلصهم من آخر ترس، حينها تنجب المرأة طفلتها”.

عبر رؤيته الإخراجية، اهتم ربيع وركز على على إبراز التعدد والتنوع الثقافي والإثني للسودان، وكيف أنه من الممكن أن يكون سبباً في النزاع والفرقة، وأن يًصبح كذلك مصدراً للقوّة والتميز، سيّما إذا ما تواصلت مكوّنات هذا التعدد والتنوع لحقيقة اشتراكها في ذات التحديات والمصائر.

(٤)

العديد من المجموعات الثقافية والأجسام المدنية التي تقاذفتها المنافي تحايلت على الوجود والإسهام بشكل فاعل في تفعيل دور الفنون والثقافة؛ في اجتراح الحلول والبدائل للبقاء لرتق هذه الفتوق، فَتقت الحرب قميص البلاد فتعاون المثقفون والفنانون على رتقه. هكذا تجد الحياة طريقها وتجد الثقافة والفنون والآداب طرقاً لتنسرب وتصبح مساربَ للضيّ والمقاومة للبقاء.

هكذا تهزم الفنون الموت.

المراجع

  1. مقطع من نص جدارية محمود درويش
  2. مقطع من نص الحصار إيمان آدم خالد
  3. مقطع من نص قميص يوسف إيمان آدم خالد

No items found.
نُشر بتاريخ
12/11/25
المؤلف:
إيمان آدم خالد
Editor
سارة النقر
المحرر:
مأمون التلب
المترجم:
Translator
نبيل محمد نور طه

(هَزَمتك يا موت الفنونُ جميعها)

محمود درويش

(١)

عرّف علماء الأنثروبولوجيا الثقافة بأنها هي كل نشاط إنساني يُمارس؛ الأكل، الاقتصاد، طرق كسب العيش، السياسة وحتى قَطع الطريق؛ وتُمثّل والفنون والآداب تمظهرات لهذه الثقافة أو بعضها، وإحدى أوجه البقاء الجمالي المنافح ضد القبح. نحملها ونسعى في دروب الحياة؛ خطوات الإنسان موسيقى والحياة من حولنا ألوان.

أتلَفَت الحروب الحياة، ولعلّ الحرب هي الفعل الأقسى والأقبح الموجّه ضدّ الإنسانية والجمال والحياة، لكن، كيفما اتفق، تجد الحياة والثقافة طُرقاً للإشراق. واحدة من طرق تماسك المجتمعات والإبقاء على جزوة الأمل؛ التصدّي لرتق ما فتقته نيران الحروب من استشراء خطاب الكراهية وتخوين الآخر المختلف.

ساهمت الفنون بشكل كبير في تجسير الهوّة بين النازحين الناجين من نيران الحروب والعنف، والعنف القائم على النوع والمجتمع المضيف في المدن التي لم تصلها الحروب. قامت المجموعات الثقافية المختلفة بإحياء أمسيات ونهارات ثقافية بدور الإيواء؛ انخرط فيها النازحون بالرقص والغناء واستعادة الذاكرة الشعبية للمناطق التي نزحوا منها، ثقافاتهم وإرثهم كان حاضراً مُعَرِّفاً بهم ومادَّاً لأواصر المحبة. ساهم ذلك بشكل كبير في ترتيب الوجدان الجمعي وخلق روح من التآلف بين النازحين والمجتمع المضيف الذي شكل دعماً حقيقيّاً للناجين.

عدد من المبادرات الأهلية، من ضمنها "الحل في الفن"، كانت تسعى لجعل دور الإيواء أكثر إنسانية وأماناً ولطفاً، لتخلق معادلاً موضوعيّاً لـ(إلفة البيوت) وإشراق الأحياء القديمة، رائحة النيم في أقصى حميمية الصيف.

العروض المسرحية والمسرح التفاعلي لطرح وحل المشاكل للترويح والمنافحة ضد القمع والحرب وأصوات القنابل والدانات والمسيَّرات الموجّهة ، وكذلك لأجل إصحاح البيئة؛ المدارس التي تحولت بقدرة قادر لبيوت بها (اللمّة)، الفرح وحنة العريس.

"عَلَّمَني طقسُ الحرب

يا أُمّي كيف أُحب،

أن أشدو ألحاني

وأنا في بَطن الجُب،

أن تُزهِرَ أغصاني

والقَصفُ هُنَا بالقُرب،

نَحيَا ونُحب".

(٢)

وفي دور الإيواء وعبر مجموعات الدعم النفسي والاجتماعي من منظمة الشفاء من الصدمات النفسية، بالتعاون مع الجامعات والمهتمين والفنانين، تم استخدام الفنون كوسائط لتفريغ طاقات الشباب والأطفال، ولقياس الاتزان الوجداني عبر الرسومات والتلوين، حيث تفضح الريشة وألوانها ما اختزنته مخيّلة الأطفال واليافعين من مشاهد مؤذية للنفس، للصحة النفسية؛ حيث ظهرت كثير من الاضطرابات النفسية والعنف بين الأطفال؛ التبول اللاإرادي، الاضطراب الوجداني، القلق، المخاوف، الاكتئاب، النزوع للفردانية، جميعها نتائج متوقّعة للفقد الفادح للأسرة، للمعتاد، للمألوف من االحياة في عاديتها الحميمة والرحيمة، لمظاهر الفناء التي لاقتهم ومروا بها؛ كل هذا ساهم ما يُعرف بالعلاج عبر الموسيقى والفنون كوسائط علاجية في تطبيب آثاره وإعادة تأهيل الأطفال والأمهات واليافعين الذين تعرضوا لكل هذا؛ بل إن مقدّمي الدعم النفسي والاجتماعي أنفسهم قد تلقوا ذات الخدمة من النازحين، فتحقَّق الوجود وإحداث فرق وتغيير في حياة النازحين/ات بدور الإيواء وخلق هذا الوجود الرحيم أعاد لهم الثقة في الذات وفي الإمكان وفي القادم.

المجموعات الشبابية التي عملت في دور الإيواء والتي استخدمت مدرسة المسرح التفاعلي الذي يجعل من المشاهد المستهدف بالعرض مشارك به ليرسل رسائل أنتجت عروضاً مسرحية وغنائية داعية للسلام كواحدة من أسلحة المقاومة والبقاء: جماعة الورشة الجوالة بقيادة المخرج ربيع يوسف أنتجت عرض "المشوار" الغنائي الاستعراضي، له فلسفة درامية باذخة: هذا المشوار في هذا الوطن حيث لكل فرد رؤيته؛ كيف يمكن أن نسير؟ وإلى أين نسير؟ ولماذا نسير؟ عرض قريب من الوجدان، قريب من تشريح الحالة التي يعاني منها السودان، الاختلاف الذي يمكن أن يُفضي للجمال وللتماسك مثل قوس قزح، كما يمكن أن يفضي للتشرذم والتمزق مثلما يحدث الآن. يفضح العرض ويعرِّي ليُطَبِّب ويُداوي ثم ليقول: وحدها الثقافة وحدها الفنون قادرة على البقاء، وعلى المعالجة وإحداث فرق.

(٣)

وحول عرض المشوار، يحكي لنا مؤلّفه ومخرجه الأستاذ ربيع يوسف الحسن ويقول إن "العرض يمثلنا  جميعاً كسودانيين، نساء ورجال مختلفي الأعمار والسحنات واللغات ومن مناطق جغرافية متعدّدة، جميعهم يتحتم عليهم إنجاز مشوار محدد، ولا ينفع فيه تخلّف أيّ واحدٍ فيهم، إذ ترتبطُ مهمّة كلّ واحدٍ منهم بما سينجزه شخصٌ آخرَ في مهمّته في المشوار، وبالتالي عليهم التغلب على المتاريس التي تعترض طريقهم، سيما متاريس العنصرية والتمييز وخطاب الكراهية والعنف ضد النساء، وهي متاريس تتفجّر منذ اللحظة الأولى وحتى آخر لحظة، وهم إذ يختلفون في: أيّ الطرق أنسب للمشوار، ومن هو جدير بالقيادة، وهل يحق للنساء أن يكنّ معهم، وغيرها من الأسئلة، إذ  بامرأة بينهم تجاوز حملها الشهر العاشر زَعمت أن جنينها (ناغَمها)، وأخبرها برفضه الخروج من رحمها ما لم يتخلصوا من جميع متاريسهم التي يصنعونها بأنفسهم، وبالفعل لا يبدأ ألم المخاض إلا بعد مواجهتهم وتخلصهم من آخر ترس، حينها تنجب المرأة طفلتها”.

عبر رؤيته الإخراجية، اهتم ربيع وركز على على إبراز التعدد والتنوع الثقافي والإثني للسودان، وكيف أنه من الممكن أن يكون سبباً في النزاع والفرقة، وأن يًصبح كذلك مصدراً للقوّة والتميز، سيّما إذا ما تواصلت مكوّنات هذا التعدد والتنوع لحقيقة اشتراكها في ذات التحديات والمصائر.

(٤)

العديد من المجموعات الثقافية والأجسام المدنية التي تقاذفتها المنافي تحايلت على الوجود والإسهام بشكل فاعل في تفعيل دور الفنون والثقافة؛ في اجتراح الحلول والبدائل للبقاء لرتق هذه الفتوق، فَتقت الحرب قميص البلاد فتعاون المثقفون والفنانون على رتقه. هكذا تجد الحياة طريقها وتجد الثقافة والفنون والآداب طرقاً لتنسرب وتصبح مساربَ للضيّ والمقاومة للبقاء.

هكذا تهزم الفنون الموت.

المراجع

  1. مقطع من نص جدارية محمود درويش
  2. مقطع من نص الحصار إيمان آدم خالد
  3. مقطع من نص قميص يوسف إيمان آدم خالد