"لولا" الحَبَشِيَّة

يُشتق اسم “لولا” من الكلمة الأمهرية “ሎላ”، التي تحمل دلالات الجمال الأنثوي بمعنى “الزهرة” أو “الفتاة الجميلة”

اقرأ المزيد
معرض الصور
No items found.
Pointing at Speaker
نُشر بتاريخ
23/10/25
المؤلف:
أيمن هاشم
المحرر:
سارة النقر
المحرر:
سارة النقر
مأمون التلب
المترجم:
المترجم:
نبيل محمد نور طه
النتيجة

  /  

العب مرة أخرى

  /   الاجابات

يُشتق اسم “لولا” من الكلمة الأمهرية “ሎላ”، التي تحمل دلالات الجمال الأنثوي بمعنى “الزهرة” أو “الفتاة الجميلة”، لكنها في سياق طقس الزار تتحول إلى رمز مُعقَّد يُجسِّد الأنوثة المكبوتة والعنف الثائر. فبحسب الروايات الشعبية، تظهر لولا ككيانٍ تراجيدي يجمع بين الإغراء والانتقام، انعكاساً لتناقضات نظرة المجتمع إلى المرأة القوية ككائنٍ مُهدِّد يجب ترويضه عبر الطقوس.

في إثيوبيا: الأميرة الغاضبة

تروي المحكيات الشفاهية أن لولا كانت أميرة حبشية من مملكة داموت القديمة (غرب إثيوبيا)، تمتلك قوى سحرية للتحكم في الطبيعة، لكنها قُتلت غدراً بسبب حبٍّ مُحرَّم أو غيرة أحد الأرواح، فتحولت إلى كيانٍ غاضب يُسبِّب الأمراض والجنون. وفي رواية أخرى، كانت من نبلاء إثيوبيا وقعت في الأسر ونُقلت إلى السودان، لتصبح رمزاً للصراع بين البشر والأرواح. كما تشترك لولا مع أسطورة “أدبار” الإثيوبية (روح الأنثى الحارسة للغابات) في سِمات الحماية والعقاب.

و في عام ٢٠١٧، عُثر في منطقة تغراي الإثيوبية على مخطوطة مكتوبة باللغة الجعزية تُشير إلى “طقوس استدعاء الأرواح النسوية”- لكن دون ذكر صريح للولا.

في إريتريا: رمز المقاومة

في منطقة حماسين الإريترية، تُحكى قصة لولا كامرأة من قبيلة البلين هُجِّرت قسراً إلى السودان خلال تجارة الرقيق، فتحولت روحها إلى رمز للمقاومة ضد الاستعباد، تظهر كحلم من أحلام النازحين لتطلب العودة إلى أرض الأجداد، وفقًا لمرويات شفاهية.

في السودان: الغريب المُلغِّز

تُفسر كلمة “لولا” في السياق النوبي على أنها “بنت”، لكنها تظل تجسيدًا لفكرة “الغريب” ذي القوة الخفية، انعكاسًا للعلاقة المعقدة بين الشعوب الإفريقية التي تختلط فيها المخاوف بالانجذاب نحو الغموض. تُصنف لولا الحبشية من ضمن أرواح البنط (من جنوب إثيوبيا) ووفقًا لدراسة محمد عمر بشير (٢٠١٥)، فإن ٢٠% من أرواح الزار في السودان تُنسب إلى أصول إثيوبية أو إريترية -كما في المسارات الغرائبية: مسار ملك الحبشة (منيلك)، ومسار الأميرة (لولا الحبشية)، وفي هذين المسارين تقدّم السجائر والويسكي وتلبس النساء المنخرطات فيهما طقماً رجالياً كاملاً (بدلة وحذاء جلدي جديدين، وقبّعة أو تاجاً).

ويمكن لمن هن سائرات في مسار (لولا الحبشية) أن يلبسن الزي النسائي الإثيوبي التقليدي (الزوريا)، ويصفِّفن شعرهن بالطريقة الإثيوبية، ويرقصن رقصاً عنيفاً حتى يفقدن وعيهن ولا يعدن إليه إلا بعد تلبية طلبات الأرواح (الحبشية) الملكية التي تسكنهنّ وتحتل أجسادهن وتصادر أرواحهن.

تُستدعى روح لولا في جلسات الزار عبر طقوس مميزة:

الملابس واللهجة: تظهر بلباس أحمر وتتحدث بلهجة إثيوبية، تطلب قرابين مثل القهوة الإثيوبية (البُن) أو الأقمشة المزركشة.

الرقص والتجسيد: في طقسها، ترتدي المشاركات الزي الإثيوبي التقليدي (الزوريا)، ويرقصن حتى فقدان الوعي، في محاكاة لاسترضاء الروح الغاضبة.

قرابين الخصوبة: في مدينة غوندار الإثيوبية، تُقدم لها ذرة حمراء كرمز للخصوبة خلال “أغاني الأمطار”، بينما تضيف إريتريا رموزاً بحرية مثل الأصداف في مناطق القاش-بركا (منظمة التراث الإريتري، ٢٠٢٠).

يرى د. أحمد زكريا (جامعة أديس أبابا) أن لولا شخصية قد تكون وُلدت من التبادلات الثقافية بين الحبشة ومصر، بينما تشير مخطوطة جعزية عُثر عليها في تغراي (٢٠١٧) إلى طقوس استدعاء أرواح نسوية دون ذكرها صراحة.

تحلل د. منى عبد الفتاح لولا كـ”الأنا المظلم” للمجتمع (اللاوعي الجمعي)، حيث تُسقِط النساء رغباتهن المحرمة عليها؛ تُعتبر لولا كشاشة إسقاط: النساء اللاتي كُنَّ يعانين من قيود اجتماعية كبيرة، يجدن في شخصية "لولا" (الجميلة، القوية، المُتطلِّبة، والمتحررة) شاشة يُسقطن عليها رغباتهن المكبوتة في السلطة والجمال والتمرد. "لولا" تصبح هي الـ "ظل" أو "الأنا المظلم" للمجتمع، الذي يحمل كل ما هو مرغوب ومحرّم في آن واحد.

ذاكرة العبودية: قد تكون الأسطورة تعبيراً عن ذاكرة مكبوتة لتاريخ العبودية والتمييز العرقي، مُستوحاة من قصص جواري حبشيات تحوَّلن إلى رموز في المخيال الجمعي.

الزار الأصل المُشترك بين السودان وأريتريا وأثيوبيا

الرواية الإثيوبية: يدعمها باحثون مثل قرما تداسي (جامعة أردهي)، الذي يربط كلمة “زار” بالإله الكوشي “جار” (DJAR)، الذي عبدته مجموعات هاجرت من جنوب مصر إلى إثيوبيا، وتحولت عبادته سِراً إلى رقصات طقسية بعد انتشار المسيحية.

الرواية المصرية والسودانية: تُرجِّح أن الزار طقس وثنيّ انتقل من إثيوبيا شمالًا، لكنها تفتقر للإسناد التاريخي الذي تتمتع به الرواية الإثيوبية.

الشعر: في قصيدة “نداء لولا” (١٩٧٥)، يصوغ الشاعر تسفاي غيبري الروح كرمز للحرية المفقودة:

“أيتها الحبشية المُحاطة بالأسرار،

هل أنتِ شعلة أم ظل؟

أم أنكِ مرآة نُحطّمها كي لا نرى وجوهنا؟”.

السينما: فيلم “لولا: روح الهضبة” (١٩٨٢) للمخرج هايلي جيريما يقدمها كقائدة تمرد ضد النظام الإقطاعي.

الفن التشكيلي: تجسد الفنانة جولي مهرات لولا في لوحة “الزار: الرقص مع الشيطان” (٢٠١٩) كامرأة عارية محاطة بالنيران، رمزًا للتطهير عبر الألم.

في إريتريا: استخدمتها مجموعات شبابية في حملات التوعية بحقوق المرأة تحت شعار “لولا لا تنتظر القرابين”.

لولا ليست مجرد روح انتقامية، بل مرآة تعكس تناقضات المجتمعات وتاريخها المظلم. فهي الضحية والمنتقمة، الغريبة والقريبة، تجسيدٌ لصراع الإنسان مع ذاكرته وقدره.

صورة الغلاف التي تم إنشاؤها باستخدام الذكاء الاصطناعي بواسطة مؤلف المقال

المصادر:

د. أحمد زكريا (جامعة أديس أبابا).

د. منى عبد الفتاح، دراسة “الزار واللاوعي الجمعي” (٢٠١٨).

محمد عمر بشير (٢٠١٥).

منظمة التراث الإريتري (٢٠٢٠).

مخطوطة جعزية من منطقة تغراي (٢٠١٧).

روايات شفاهية من إثيوبيا وإريتريا والسودان.

No items found.
نُشر بتاريخ
23/10/25
المؤلف:
أيمن هاشم
Editor
سارة النقر
المحرر:
مأمون التلب
المترجم:
Translator
نبيل محمد نور طه

يُشتق اسم “لولا” من الكلمة الأمهرية “ሎላ”، التي تحمل دلالات الجمال الأنثوي بمعنى “الزهرة” أو “الفتاة الجميلة”، لكنها في سياق طقس الزار تتحول إلى رمز مُعقَّد يُجسِّد الأنوثة المكبوتة والعنف الثائر. فبحسب الروايات الشعبية، تظهر لولا ككيانٍ تراجيدي يجمع بين الإغراء والانتقام، انعكاساً لتناقضات نظرة المجتمع إلى المرأة القوية ككائنٍ مُهدِّد يجب ترويضه عبر الطقوس.

في إثيوبيا: الأميرة الغاضبة

تروي المحكيات الشفاهية أن لولا كانت أميرة حبشية من مملكة داموت القديمة (غرب إثيوبيا)، تمتلك قوى سحرية للتحكم في الطبيعة، لكنها قُتلت غدراً بسبب حبٍّ مُحرَّم أو غيرة أحد الأرواح، فتحولت إلى كيانٍ غاضب يُسبِّب الأمراض والجنون. وفي رواية أخرى، كانت من نبلاء إثيوبيا وقعت في الأسر ونُقلت إلى السودان، لتصبح رمزاً للصراع بين البشر والأرواح. كما تشترك لولا مع أسطورة “أدبار” الإثيوبية (روح الأنثى الحارسة للغابات) في سِمات الحماية والعقاب.

و في عام ٢٠١٧، عُثر في منطقة تغراي الإثيوبية على مخطوطة مكتوبة باللغة الجعزية تُشير إلى “طقوس استدعاء الأرواح النسوية”- لكن دون ذكر صريح للولا.

في إريتريا: رمز المقاومة

في منطقة حماسين الإريترية، تُحكى قصة لولا كامرأة من قبيلة البلين هُجِّرت قسراً إلى السودان خلال تجارة الرقيق، فتحولت روحها إلى رمز للمقاومة ضد الاستعباد، تظهر كحلم من أحلام النازحين لتطلب العودة إلى أرض الأجداد، وفقًا لمرويات شفاهية.

في السودان: الغريب المُلغِّز

تُفسر كلمة “لولا” في السياق النوبي على أنها “بنت”، لكنها تظل تجسيدًا لفكرة “الغريب” ذي القوة الخفية، انعكاسًا للعلاقة المعقدة بين الشعوب الإفريقية التي تختلط فيها المخاوف بالانجذاب نحو الغموض. تُصنف لولا الحبشية من ضمن أرواح البنط (من جنوب إثيوبيا) ووفقًا لدراسة محمد عمر بشير (٢٠١٥)، فإن ٢٠% من أرواح الزار في السودان تُنسب إلى أصول إثيوبية أو إريترية -كما في المسارات الغرائبية: مسار ملك الحبشة (منيلك)، ومسار الأميرة (لولا الحبشية)، وفي هذين المسارين تقدّم السجائر والويسكي وتلبس النساء المنخرطات فيهما طقماً رجالياً كاملاً (بدلة وحذاء جلدي جديدين، وقبّعة أو تاجاً).

ويمكن لمن هن سائرات في مسار (لولا الحبشية) أن يلبسن الزي النسائي الإثيوبي التقليدي (الزوريا)، ويصفِّفن شعرهن بالطريقة الإثيوبية، ويرقصن رقصاً عنيفاً حتى يفقدن وعيهن ولا يعدن إليه إلا بعد تلبية طلبات الأرواح (الحبشية) الملكية التي تسكنهنّ وتحتل أجسادهن وتصادر أرواحهن.

تُستدعى روح لولا في جلسات الزار عبر طقوس مميزة:

الملابس واللهجة: تظهر بلباس أحمر وتتحدث بلهجة إثيوبية، تطلب قرابين مثل القهوة الإثيوبية (البُن) أو الأقمشة المزركشة.

الرقص والتجسيد: في طقسها، ترتدي المشاركات الزي الإثيوبي التقليدي (الزوريا)، ويرقصن حتى فقدان الوعي، في محاكاة لاسترضاء الروح الغاضبة.

قرابين الخصوبة: في مدينة غوندار الإثيوبية، تُقدم لها ذرة حمراء كرمز للخصوبة خلال “أغاني الأمطار”، بينما تضيف إريتريا رموزاً بحرية مثل الأصداف في مناطق القاش-بركا (منظمة التراث الإريتري، ٢٠٢٠).

يرى د. أحمد زكريا (جامعة أديس أبابا) أن لولا شخصية قد تكون وُلدت من التبادلات الثقافية بين الحبشة ومصر، بينما تشير مخطوطة جعزية عُثر عليها في تغراي (٢٠١٧) إلى طقوس استدعاء أرواح نسوية دون ذكرها صراحة.

تحلل د. منى عبد الفتاح لولا كـ”الأنا المظلم” للمجتمع (اللاوعي الجمعي)، حيث تُسقِط النساء رغباتهن المحرمة عليها؛ تُعتبر لولا كشاشة إسقاط: النساء اللاتي كُنَّ يعانين من قيود اجتماعية كبيرة، يجدن في شخصية "لولا" (الجميلة، القوية، المُتطلِّبة، والمتحررة) شاشة يُسقطن عليها رغباتهن المكبوتة في السلطة والجمال والتمرد. "لولا" تصبح هي الـ "ظل" أو "الأنا المظلم" للمجتمع، الذي يحمل كل ما هو مرغوب ومحرّم في آن واحد.

ذاكرة العبودية: قد تكون الأسطورة تعبيراً عن ذاكرة مكبوتة لتاريخ العبودية والتمييز العرقي، مُستوحاة من قصص جواري حبشيات تحوَّلن إلى رموز في المخيال الجمعي.

الزار الأصل المُشترك بين السودان وأريتريا وأثيوبيا

الرواية الإثيوبية: يدعمها باحثون مثل قرما تداسي (جامعة أردهي)، الذي يربط كلمة “زار” بالإله الكوشي “جار” (DJAR)، الذي عبدته مجموعات هاجرت من جنوب مصر إلى إثيوبيا، وتحولت عبادته سِراً إلى رقصات طقسية بعد انتشار المسيحية.

الرواية المصرية والسودانية: تُرجِّح أن الزار طقس وثنيّ انتقل من إثيوبيا شمالًا، لكنها تفتقر للإسناد التاريخي الذي تتمتع به الرواية الإثيوبية.

الشعر: في قصيدة “نداء لولا” (١٩٧٥)، يصوغ الشاعر تسفاي غيبري الروح كرمز للحرية المفقودة:

“أيتها الحبشية المُحاطة بالأسرار،

هل أنتِ شعلة أم ظل؟

أم أنكِ مرآة نُحطّمها كي لا نرى وجوهنا؟”.

السينما: فيلم “لولا: روح الهضبة” (١٩٨٢) للمخرج هايلي جيريما يقدمها كقائدة تمرد ضد النظام الإقطاعي.

الفن التشكيلي: تجسد الفنانة جولي مهرات لولا في لوحة “الزار: الرقص مع الشيطان” (٢٠١٩) كامرأة عارية محاطة بالنيران، رمزًا للتطهير عبر الألم.

في إريتريا: استخدمتها مجموعات شبابية في حملات التوعية بحقوق المرأة تحت شعار “لولا لا تنتظر القرابين”.

لولا ليست مجرد روح انتقامية، بل مرآة تعكس تناقضات المجتمعات وتاريخها المظلم. فهي الضحية والمنتقمة، الغريبة والقريبة، تجسيدٌ لصراع الإنسان مع ذاكرته وقدره.

صورة الغلاف التي تم إنشاؤها باستخدام الذكاء الاصطناعي بواسطة مؤلف المقال

المصادر:

د. أحمد زكريا (جامعة أديس أبابا).

د. منى عبد الفتاح، دراسة “الزار واللاوعي الجمعي” (٢٠١٨).

محمد عمر بشير (٢٠١٥).

منظمة التراث الإريتري (٢٠٢٠).

مخطوطة جعزية من منطقة تغراي (٢٠١٧).

روايات شفاهية من إثيوبيا وإريتريا والسودان.